لم يأت الإسلام بتعاليمه ليكون عظات ورقائق تسمو بروحانيات الناس في علاقتهم بالله تعالى وفقط، ولكن جاء أيضا لينظم علاقات الخلق بعضهم ببعض، حتى يسود التفاهم والألفة والمحبة في المجتمع، فينعم الجميع بالسعادة في الدنيا والآخرة.
ومن أجل ذلك جعل الإسلام من أهم مبادئ نظامه الإجتماعي أن يحرص كل فرد من أفراده على مصلحة غيره حرصه على مصلحته، وأن يحب للآخرين الخير الذي يحبه لنفسه، من حلول النعم وزوال النقم.
[] أفضل الإيمــان:
بل إن الإسلام جعل حب الخير للناس من دلائل إكتمال الإيمان ورسوخه في القلب، وغياب محبة الخير للآخرين من علامات نقص الإيمان وعدم إكتماله، وهذا مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخاري.
وعن معاذ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان، قال: «أن تحب لله، وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله»، قال: وماذا يا رسول الله؟ قال: «وأن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك» رواه المنذري.
وإذا ما أحب الإنسان الخير للغير، كان لذلك أثرا في تعامله مع الناس، فتجد منه سموا في التعامل، ورفعة في الأخلاق، وصبرا على الإيذاء، وتغاضى عن الهفوات، وعفوا عن الإساءة، ومشاركة في الأفراح والأحزان..
[] طريق للجنة:
وحب الخير للناس يقود صاحبه إلى الفوز بالجنة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه» رواه أحمد.
[] حرص على نجاتهم:
ولا يقتصر حب الخير للناس على ما يسعدهم في الدنيا، ولكن يمتد أيضا إلى حب السعادة لهم في الآخرة، فيحب لهم أن يمن الله عليهم بنعمة الإيمان، وأن ينقذهم الله من ظلمات الشرك والعصيان، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما» رواه الترمذي.
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل في ذلك، فقد بلغ به حب الإيمان للناس أنه كاد يموت غما وأسفا عليهم، قال الله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوابِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:6]، وقال الله تعالى: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسَكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر:8].
لقد دعا الناس في جميع الأماكن والأزمان والأحوال، دعا فوق الجبل وفي المسجد وفي الطريق وفي السوق، دعاهم في صحته ومرضه، دعا من أحبوه ومن أبغضوه، ومن إستمعوا إلى دعوته ومن أعرضوا عنها، فأي مصلحة له في أن يؤمنوا ويهتدوا؟ إنه حب الخير للناس..
[] أســوة حسنة:
وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يعبر عن حبه الخير لأبي ذر فيقول له: «يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرنّ على اثنين، ولا تولين مال يتيم» رواه مسلم.
وقد سار سلفنا الصالح على نهج النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت قلوبهم تفيض بحب الخير للناس، فهذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول: ما نزل غيث بأرض إلا حمدت الله وسررت بذلك، وليس لي فيها شاة ولا بعير، ولا سمعت بقاض عادل إلا دعوت الله له، وليس عنده لي قضية، ولا عرفت آية من كتاب الله إلا وددت أن الناس يعرفون منها ما أعرف.
ولما أراد محمد بن واسع أن يبيع حمارا له، قال له رجل: أترضاه لي؟ فرد عليه: لو لم أرضه لك لم أبعه.
وكان عتبة الغلام إذا أراد أن يفطر يقول لبعض إخوانه المطلعين على أعماله: أخرج لي ماء أو تمرات أفطر عليها ليكون لك مثل أجري.
وذكر ابن خلكان في -وفيات الأعيان- أن السري كان يقول: منذ ثلاثين سنة، وأنا أستغفر من قولي مرة: الحمد لله، فقيل له: وكيف ذلك؟ فقال: وقع ببغداد حريق، فإستقبلني واحد، وقال: نجا حانوتك، فقلت: الحمد لله، فأنا نادم من ذلك الوقت على ما قلت، حيث أردت لنفسي خيراً من الناس.
[] خطوات عملية:
ومن الأمور التي يمكن تعيننا على أن نصبح ممن يحبون الخير للناس:
1= التوجه إلى الله تعالى والإلحاح عليه سبحانه أن يجعلنا ممن يحبون الخير للناس، ويسعون في كل نافع مفيد لهم.
2= الدعاء بالخير لمن حولنا بظهر الغيب، فندعو لهم بأن يوسع الله عليهم في أرزاقهم، وأن يبارك لهم في عافيتهم، وأن يوفقهم في أعمالهم، وأن يلههم الرشد والصواب والصلاح، وغير ذلك مما نحبه لأنفسنا، فهذا يعمق في نفوسنا حب الخير للآخرين.
3= التذكير الدائم للنفس بأن إيماننا لن يكون كاملا إلا بحب الخير للناس.
4= دعم حب الخير للآخرين في النفس بأن نكرر عليها أننا نحب الخير للناس، ونكره أن يصيبهم مكروه، وكذلك بأن يسأل كل منا نفسه: هل السعادة في أن أكون متميزًا ومتفوقًا على كل أحد؟ أم أن السعادة أن أكون محبا للخير لكل الناس كما أحبه لنفسي؟
5= مقاومة المشاعر السلبية التي قد تنتابنا عند علمنا بوقوع الخير لبعض المعارف، بأن نتكلف الفرح لوقوع هذا الخير، وأن ندعو له بالبركة، ثم نتحرك لتهنئته، فهذا يكسر حاجز المشاعر السلبية، ويدرب النفس على حب الخير للآخرين.
6= تحفيز النفس للسعي في نفع الآخرين وبذل المعروف لهم بالمداومة على قراءة فضائل نفع الآخرين، ومطالعة سير الصالحين في ذلك.
7= بذل الجهد في السعي فيما ينفع الناس ويسعدهم ويفيدهم ويصلح حالهم ويرفع عنهم العناء.
8= الحرص على مصاحبة من يحبون الخير للناس ويسعون في خدمتهم ونفعهم، فالمرء على دين خليليه.
الكاتب: ياسر محمود.
المصدر: موقع رسالة المرأة.